بقلم درويش شنكالي، ناشط ايزيدي
عيد أكيتو البابلي ، يُعتبر عيد رأس السنة البابلية، هو أيضًا عيد رأس السنة الأيزيدية ، يُحتفل به في شهر نيسان من كل عام. وهذا العيد هو من أهم الأعياد الدينية والقومية للأيزيديين ، حيث يمتد تاريخه لآلاف السنين ، وهو ورثه الأيزيديون من أسلافهم السومريين والبابليين .
الكثير من الطقوس والمثلوجيا كانت تجرى في معابد ايزيدا ببابل ، مدينة الحلة العراقية . وكانت منتشر حتى معبد الحضر في جنوب مدينة الموصل العراقية ،
الأيزيديين القدماء كانو يحتفلون بعيد أكيتو (رأس السنة الأيزيدية) في أول أربعاء من شهر نيسان وفقًا للتقويم الأيزيدي، الذي يتأخر عن التقويم الميلادي بثلاثة عشر يوم في هذا الزمن .
والتقويم السومري البابلي (أكيتو) يجسد التقويم الأيزيدي ، يمتد تاريخه إلى عام 6774 ق. م . يتم الاحتفال بالعيد بتأدية العديد من الطقوس والتقاليد والعادات الايزيدية في القرى الايزيدية في شمال العراق خاصة .
يعتقد الأيزيديون ، في هذا اليوم يضع الله (الخالق) عز وجل مقدرات الأرض بيد طاوس ملك، وهو اعتقاد مستمد من الموروث الديني البابلي في عيد أكيتو، حيث كان الإله مردوخ (كبير آلهة بابل) يضع مصير الأرض بيد الإله نابو- طاروس ملك ، ويذكر التراث الديني الأيزيدي تحريم الزواج في شهر نيسان، اعتقادا بنزول طارس ملك الى الأرض . ويحرم الزواج فيه . وهو اعتقاد متواتر المعتقد البابلي الذي يذكر هذا الشهر هو شهر التزاوج بين الآلهة.
هناك العديد من الأدلة التي تشير إلى تطابق شخصية الإله نابو البابلي وطاوس ملك الأيزيدي. حيث تعني كلمة “نابو” في اللغة الأكدية “اللامع”، و يُعرف عنه ارتباطه بمدينة بورسيبا حيث يوجد معبده الرئيسي المسمى “Ezida”. يُعتقد أن نابو هو ابن الإله مردوخ، وغالبًا ما يُذكر معه ويشاركه ببعض ألقابه وعظمته. نابو هو إله النسّاخين والكتبة وهو إله الحكمة . كانت مكانت نابو عظيمة في حياة البابليين وكذلك عند الأشوريين، وفي العصر البابلي الحديث تجددت الحماسة لعبادته وتقديسه كما حدث مع الإله مردوخ.
أما متى ذكر نابو تيمنا باسم طاوس ملك ، فإن الاسم كان أحد الألقاب التي أُطلقت على نابو منذ زمن بعيد . كما جاء في المدونات المندائية، حيث طلب ملك النور (ملكا دنهورا) من (بيت الحياة) أن يهينوا كتابًا لا يمس المندائي، فأرسلوا لهذه الغاية ملاكًا هو (طاوس ملك) ليدون التوراة، لأنه رب القلم والحكمة. هذا هو أول ذكر للشخصية السماوية طاوس ملك. في اللغة العبرية والآرامية في مرحلة لاحق . كما اطلق “طاوس ملك” أو الملاك الطير، وهو ما ينطبق على تمثال طاوس ملك المعروف. في كتاب “عجائب المخلوقات” للقزويني، تُذكر صفات الملائكة ومنهم الملاك جبريل الأمين عليه السلام، الذي يُقال له الروح القدس والروح الأمين والناموس الأكبر وطاووس الملائكة. هذا يشير إلى أن صفة طاووس الملائكة تُطلق في هذه المنطقة على الشخصيات المقدسة التي تحمل الرسائل السماوية. طاوس ملك ويذكرونه الأيزيديون في طقوسهم وعباداتهم كان معروفًا في الأديان العراقية القديمة، وكانت الطيور المقدسة جزءًا من ديانة البابليين. يقول الكاتب أحمد تيمور المصري الأصل ، إن صورة الطاووس قد تكون من بقايا الديانة البابلية.
ذلك ، يُقدس الايزيديين يوم الأربعاء ويعدونه عطلة نهاية الأسبوع، حيث يُعرف بيوم طاوس ملك ، ويرمز له بكوكب عطارد. كما ورد في احدى الوثائق البابلية المحفوظة في متحف اللوفر . ويعتبرونه أيضا يوم الإله نابو وارتباطه بطاوس ملك تعود إلى كونه يوم نابو في الديانة البابلية، حيث يمثل عطارد الإله نابو. الصفات التي تُنسب لعطارد في المعتقد البابلي تشمل كونه شابًا يركب طاووسًا ويمسك بيمينه حية، رمزا الحكمة، وهي اليوم جزء من التراث الايزيدي كما ورد في كتاب فواز فرحان أصل المعرفة في الديانة الأيزيدية. كما ان رمز الحية السوداء محفورة على حجر في باب القابي مدخل بيت شيخادي عليه السلام ،في ومعبد لالش النوراني وهو المعبد الديني الرئيسي للأيزيديين في العراق والعالم ، كان معمولًا به في المعتقدات البابلية أيضًا، حيث كانت الحية تُستخدم لحراسة المعابد.
واستمر تجسيد الآلهة البابلية محافظًا على صفاتها المقدسة ، فكل إله له حيوانه المقدس الذي يرمز إليه والذي نشأ من الفتشية (عبادة الرقي البدائية). لذا، لا ضير في أن يُرمز للإله نابو بطير الطاووس، أسوة ببقية الآلهة التي كان لكل منهم حيوانه المقدس الخاص. ومن سمات الحياة للتمثال الإلهي ، التي لم تُمس حتى الآن هي السفر، حيث كانت التماثيل الإلهية تقوم برحلات إلى أحرام مقدسة خارج مدنها الخاصة، كما وصفت في عدد من الأعمال الأدبية مثل” رحلة نانا سوين إلى نفر، ورحلة نينينسينا إلى نفر، ورحلة نينورتا إلى إريدو، ورحلة إنكي إلى إريدو”. في كثير من الحالات، تمثل هذه الرحلات زيارات سنوية لتجديد روابط العبادة وإنجاز الخصب، بينما تبدو في حالات أخرى أنها زيارات متداخلة مع الطقس الديني في تلك الحقبة التاريخية . ولا يزال المجتمع الأيزيدي اليوم، يستقبل ويودع تجوال السنجق (الطاووس) مرة كل عام على الأقل بين المدن والقصبات الأيزيدية، يستمد فكرته من الطقس الديني البابلي الذي كان يدور حول استقبال الشعب البابلي لتمثال الإله نابو الذي كان يُجلب من معبد أيزيدا ببورسيبا في عيد أكيتو. طقس السنجق لدى العقيدة الدينية الأيزيدية، يتم في ظل مراسيم دينية، حيث يستقبلهم آلاف الأيزيديين من النساء والاطفال ، يرتدون الزي الايزيدي ويحتفلون امام احد المزارات ويستقبل الرجال الطاووس بالزغاريد والهلاهل. على الرغم من أن الاحتفال يرمز الى الطقس الديني الأيزيدي و يشبه زيارات تماثيل الآلهة في أيام السومريين والبابليين. خصوصًا زيارة تمثال الإله نابو من مدينة بورسيبا حيث كان يستقبله الآلاف من البابليين وسط صيحات البسمة والتفاؤل والزغاريد والهلاهل.
1 تعليق