
عجاج الأيزيدخان
وهو مفهوم ينطوي على رمزية عميقة ومعاني روحية تتجاوز الحدود الزمنية والمكانية. يُعتبر هذا الجسر موجوداً في لالش، وهو موقع مقدس يتمتع بتقدير كبير بين الأيزيديين ويعد بمثابة روحهم الحية. يعود جذور المعنى العميق لالش إلى الماضي البعيد، حيث يُعتقد أنها كانت شاهدة على بداية وتطور الحياة بعد الانفجار العظيم، مما يضفي عليها كافة الأبعاد الأسطورية التي تميزها عن بقية الأماكن. يعتبر الأيزيديون هذا الموقع ليس فقط مكاناً جغرافياً، بل أيضاً مركزاً روحياً يتصل مباشرة بالعالم الأعلى. أما بالنسبة للتاريخ الديني في المنطقة، فقد أوضح السومريون أنهم لم ينادوا الآلهة الأوائل من مجموعة Anunnaki بكلمة إله، بل أطلقوا عليهم اسم din.gir. هذا الاسم مؤلف من كلمتين، الأولى “دين” التي تعني الحقّ والنقاء أو الطهارة، مما يمكن أن يُدرج كمصدر للتعبير الحديث عن “الديانات”. أما الثانية “غير” فتستعمل لوصف الأمور التي تتعلق بالحدود أو الترميز، وبالتالي تعكس طبيعة مستدامة ومقدسة. يمكننا القول إن الكلمة تعني: الحق الحاد، أو التعبير اللاهوتي المشابه للصراط المستقيم. يكون هذا الجسر، إذن، أكثر من مجرد بنية مادية؛ إنه نقطة التقاء حيوية، حيث يلتقي العالم الأرضي بالعوالم السماوية. يعتقد الكثيرون أن الأرواح تسعى لعبور هذا الجسر إلى السماء، حيث ينعمون بالنور والنعيم الأبدي. وهذا المفهوم يشمل كافة الأبعاد الروحية، حيث يمثل الجسر ليس فقط عبوراً فيزيائياً، بل أيضاً رحلة داخلية نحو البحث عن المعنى. في رحلة كلكامش الشهيرة، نجد أنه كان عليه أيضاً عبور ” پرا انزَل”، الذي يمكن اعتباره “جسر الشمس”. هذا الجسر يؤدي إلى جبل ماشو، حيث تقف بوابتان يحرسهما رجل العقرب وزوجته، وهما كائنان هائلان نصفهما بشري ونصفهما عقرب. يمثل الجسر هنا العقبة بين عالم البشر والعالم الماورائي، مما يعكس المخاوف والصراعات الذاتية التي يعيشها الإنسان. كان من الضروري أن يعبر كلكامش هذا الجسر ليتمكن من الالتقاء بالجوهر الإلهي، ومواجهة التحديات الخفية التي تمثلها تلك البوابات. عبر كلكامش هذا الجسر، فقد اختبر الصعوبات والظلام الدامس الذي يملأ الطريق، مما جعل تلك الرحلة أكثر من مجرد عبور: كانت اختباراً للإرادة والعزيمة. وبعد عبوره، واصل طريقه حتى التقى بسيدوري، صاحبة الحانة الإلهية، التي تجسد رمز الحكمة والتوجيه. هنا، حصل كلكامش على إرشادات قيمة قبل أن يلتقي بالملاح أورشانابي، الذي ساعده في عبور مياه الموت، مما يرمز إلى انتصاره على حدود الحياة والموت. السموات، التي تمثل في السياق الأيزيدي الغموض والعظمة، تعكس آمالاً وآلاماً جماعية وتاريخية. يُنظر إلى “پرا انزَل” في كل من السومرية والأيزيدية على أنه رمز للبحث عن الطهارة والقرب من الخالق. يُعتبر هذا الجسر الذي يربط بين الإنسان والفطرة الإلهية، وبين الوجود المادي والروح القدس. إنه تجسيد لاستمرار البحث عن الحقيقة والسكينة في عالم مليء بالتحديات.